أكوراي: مدينة العبيد البيض الأوروبيين في المغرب

 


بقلم: محمد مقنع

استعباد والاتجار بالرقيق الأبيض لم يكن ظاهرة محدودة بل كان جزءا من شبكة تجارية دولية تمتد من افريقيا الى وسط اسيا. اذ كان الاوروبيون يباعون في الأسواق المحلية كسلعة لإشباع الغرائز الجنسية، او للقيام بالمهام المنزلية الزراعية العمرانية وغيرها من الأعمال الشاقة. لكن، لماذا القوقازيون يخفون أو يقللون من أرقام استرقاقهم في أفريقيا والشرق الأوسط التي تجاوزت ال30 مليون عبد طوال ثلاثة عشر قرنا (من القرن 7 الى 20 الميلادي)؟

للغرب مصلحة في تقديم صورة إيجابية عن نفسه، وخاصة في العصور الحديثة حيث الدول الاوروبية تسعى إلى تأكيد قوتها وتفوقها "العرقي" (المزعوم) السياسي العسكري والاقتصادي. فتقزيم الأرقام وإخفاء الحقائق السلبية هو جزء من هذه الجهود.

أكوراي (كلمة برتغالية تعني عين الملك، RAI AGOU)، هي مدينة صغيرة تقع جنوب مدينة مكناس بناها السلطان إسماعيل العلوي لإيواء العبيد الاوروبيين الذين ضاقت بهم الحواضر المغربية كمكناس وفاس. فقد كتب الوزير ومؤرخ الدولة العلوية أبو القاسم الزياني بان العاصمة الاسماعلية ضمت لوحدها ما يقارب 25000 عبد أوروبي ابيض خلال القرن الثامن عشر.

حسب الرحالة الاوروبيون الذي زاروها، كان اهالي المدينة يتألفون من ثلاثة عشرة جنسية أوروبية مختلفة. وقد ذكر الاب هنري كويهلر بان بعض السكان لازالوا يحتفظون بأسمائهم الأوروبية ك "روليكو" و"مونتيكو" و"بلامو" و"بسانو" و"توفو" و"بانكوش" و"لحمر" (في الأصل كان اسمهم "روخو" لكنه ترجم للعربية كما فعلوا بأسماء عائلية "كبلانكو" و"اسول" و"فيردي" الخ) "العلج" و"كورنيف" (Koorneef لقب عائلي هولندي ينحدر حاملوه من منطقة برييل، بالقرب من ساحل وروتردام). يقال إن الصدر الاعظم باحماد، سلب منهم ظهير أسماء عائلاتهم لكيلا يطلبوا الحماية من سفراء الدول الأوروبية.

كانت هذه المدينة مأوى لآلاف العبيد المسيحيين الذين اعتنقوا الإسلام ودخلوا في خدمة السلطان إسماعيل العلوي. وقد لاحظ العديد من الرحالة الأجانب، أمثال الألمانى ماكس كيدنفيلت، اختلاف لون بشرة سكان أكوراي الناطقين باللهجة البربرية عن باقي القبائل البربرية المجاورة من سكان الأطلس المتوسط ذوي البشرة السمراء الداكنة كزيان وبني مطير وبني مكيلد. انتشر اللون الفاتح في بعض القبائل البربرية بعد اختلاطهم مع سكان أكوراي العبيد كما تبربر لسان العلوج فيها عكس العلوج الذين بقوا بمكناس في الحي الذي يحمل إسمهم "برج العلوج".

لم يقتصر دور أكوراي على استيعاب العبيد المسيحيين فقط، بل شمل أيضا دورا استراتيجيا يتمثل في حماية مدينة مكناس من هجمات القبائل المجاورة وتوطيد سلطة المخزن في المنطقة. وقد أشارت بعض الروايات إلى أن السلطان إسماعيل قرر نقل جزء من هؤلاء العبيد البيض إلى إقليم درعة البعيد، بهدف تقليل وجودهم في مكناس بعد محاولة اغتياله من طرف أحد العلوج. اذ جاء في كتاب توماس بيلو:

"في فاس ومكناس ما زال هناك أعداد كبيرة من المنحدرون من أصول أوروبية، الذين يمكن تمييزهم بسهولة بسبب بشرتهم الفاتحة وشعرهم الأشقر. أكوراي، وهي بلدة عاش فيها بيلو لسنوات عديدة، مأهولة تقريبا بالكامل من قبلهم. بعد أن حاول أحد العبيد الاوروبيين اغتياله، قرر المولى إسماعيل أن يكون حوله أقل عدد ممكن من ال "المالا كاستا" (طبقة الشر). وبناء على ذلك، نقل حوالي 1500 منهم إلى إقليم درعة البعيد، والذي كان معروفًا طويلا باسم أرض الزنادقة - وفي المدينة الرئيسية لتلك الولاية يعيش أحفادهم إلى يومنا هذا..".

 

The Adventures of Thomas Pellow, of Penryn, Mariner: Three and Twenty Years in Captivity Among the Moors, by Thomas Pellow

In Fez and Mequinez there are still swarms of people descended from European ancestors, and easily distinguished by their fair complexion, and not infrequently fair hair. Agoory, a town where Pellow lived for many years, is almost entirely peopled by them. Muley Ismail, after a renegade had attempted his assassination, determined to have about him as few of the Mala Casta (to use the Spanish name for them) as possible. Accordingly, he transported about 1,500 of them to the distant province of Draa, which, on that account, was long known as the Land of the Apostates—and in the chief town of that region their descendants live to this day.

 

وحتى اليوم، لا يزال أحفادهم يلقبون أنفسهم ب "العلوج" ويطالبون بحقهم في الأراضي السلالية التي منحها لهم السلاطين مكافأة على ولائهم وخدمتهم للعرش العلوي.


 

 


 

المراجع:

The Adventures of Thomas Pellow, of Penryn, Mariner: Three and Twenty Years in Captivity Among the Moors, by Thomas Pellow

Henri Koehler, L'Eglise chrétienne du Maroc et la mission franciscaine, 1221-1790

ليست هناك تعليقات