هنري لوت وتزوير نقوش طاسيلي ناجر

 


بقلم: محمد مقنع

أقول دائما: "المنتصرون يكتبون التاريخ للرعاع"، لان المثقف المتمكن من العلوم الإنسانية لا يمكن ان تنطلي عليه دسائس الغوغاء المزورون.

في حربها الضروس على الشعوب الافريقية السوداء لم توظف فرنسا الأسلحة النارية الثقيلة فقط، بل عمدت إلى تحريف تاريخ القارة عبر تجنيد جيش من اشباه الأنثروبولوجيين وشحن اثنيات لقيطة/دخيلة على افريقيا (لها قابلية الخضوع المذل للمستعمر) من اجل فصل شمال القارة عن جنوبها بسط هيمنتها على المنطقة ونهب خيراتها. ومن بين المواقع الاثرية الافريقية التي لم تسلم من التخريب الفرنسي، موقع طاسيلي ناجر الذي يحتوي على واحدة من أهم مجموعات فن كهوف عصور ما قبل التاريخ في العالم، حيث يضم أكثر من 15000 رسم ونقش يسجل التغيرات المناخية وتطور الحياة البشرية في الصحراء الكبرى الافريقية خلال العصر الحجري.

اذ قام هنري لوت (Henri Lhote) وفريقه الاجرامي الابله بتخريب نقوش الموقع الاثري واضافة أخرى (بشكل غبي ينم عن بلاهته وبلادته) بملامح ملابس وتسريحات شعر أوروبية تعود للقرن التاسع عشر لإعطاء الشرعية التاريخية للتواجد الفرنسي في المنطقة. لوت كان انثربولوجيا عصاميا إلى أن أصبح تلميذا لهنري برويل (Henri Breuil)، كاهن كاثوليكي وعالم آثار فرنسي خبير في فن كهوف عصور ما قبل التاريخ. بدأ العمل الميداني في عام 1929 ولكن غالبا ما كانت اعماله محل تشكيك بسبب عدم حصوله على شواهد اكاديمية.

سنة 1945، عن عمر يناهز 42 عاما، نال شهادة الدكتوراه تحت إشراف مارسيل جريول والتقى بعدها بضابط فرنسي يدعى (Charles Brenans)، كان قد اكتشف نقوش صخرية في "الصحراء الجزائرية" أثناء قيامه بمهمة عسكرية. بمساعدة هذا الأخير وبدعم مالي من متحف الانسان بباريس، قام لوت برحلة استكشافية الى الصحراء سنة 1956 ثم شق طريقه نحو الطاسيلي. ليقوم بعد ذلك بثلاثة بعثات لاحقة إلى الموقع بين عامي 1958 و1962.

تعرضت بعثاته لانتقادات شديدة من طرف المتخصصين، حيث اتهم هو وفريقه بتزوير النقوش وإتلافها بشكل لا يمكن إصلاحه. اذ كان الحثالة يبلل الرسوم بالماء ثم يضع عليها الفحم مباشرة من اجل نسخها وبعد ان ينتهي ينظفها بإسفنجة. لقد وضع الكثير من الفحم في كل مكان لدرجة انه أصبح من المستحيل تحديد عمر النقوش بواسطة الكربون 14. وطبعا كل ذلك متعمد لكي لا يكتشف تدليسه وتزويره.

فيديو يوثق لجرائمه



في عام 2004، أجرى عالم الأنثروبولوجيا البريطاني جيريمي كينان (Jeremy Keenan) مراجعة لمنشورات لوت في كتابه (The Lesser Gods of the Sahara: Social Change and Indigenous Rights) وخلص إلى أن العديد من ادعاءات هنري لوت كانت مضللة، وبأن الكثير من النقوش مزورة، كما اشار الى ان السياق السياسي للاستعمار الفرنسي لشمال افريقيا قد أثر في طريقة التعامل مع الموقع وتفسير الأعمال الفنية.

انا هنا لن اناقش هذه اللوحات المزورة من الناحية العلمية/الجينية (مكان وتاريخ ظهور الطفرات الجينية التي أدت الى تفتيح لون بشرة الانسان، ازرراق/اخضرار عيونه، واصفرار/احمرار شعره.. وتاريخ توثيق تواجدها في شمال افريقيا) لأنها صبيانية ولا تستحق ذلك بتاتا. السومريون مؤسسو أقدم حضارة بشرية على الاطلاق تعود ل5000 سنة قبل الميلاد لم يصلوا لهذه الدرجة المتقدمة في حياكة الملابس تصفيف الشعر والدقة في الرسم. 


اين اختفت هذه الشعوب "المتحضرة" تكنولوجيتهم المتقدمة ومدنهم العامرة؟ ابتلعتهم رمال الصحراء؟ أي شخص له المام بسيط بتقنيات الفن التشكيلي تاريخ اللباس وتصفيف الشعر سيكتشف غباء وجهل هؤلاء الرعاع الفرنسيون الذين قادهم طمعهم بالهيمنة على افريقيا، غرورهم وايمانهم بتفوق "العرق الابيض" الى ارتكاب حماقة لا تغتفر.

عمر موقع طاسيلي خلال العصر الحجري الحديث من طرف رعاة افارقة مستفيدين من موارده الطبيعية للتخييم في موسم الامطار. تحتوي المرتفعات على أدلة أثرية على وجود احتلال بشري يعود تاريخه إلى 5500 سنة قبل الميلاد، في حين أن الأراضي المنخفضة بها مدافن ومداخن حجرية تعود ل 6000 سنة قبل الميلاد. وجد علماء الاثار العديد من الملاجئ الصخرية تتناثر فيها القطع الأثرية من العصر الحجري الحديث بما في ذلك الأواني الفخارية أسلحة حجرية ومجوهرات. وهذه هي الصور الاصلية للشعوب التي كانت تعمر الموقع: